سورة يوسف - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)}
{ياصاحبي السجن} نسبهما إلى السجن إما لأنهما سكناه أو لأنهما صاحباه فيه، كأنه قال يا صاحبيَّ في السجن {ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ} الآية: دعاهما إلى توحيد الله، وأقام عليهما الحجة رغبة في إيمانهما {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً} أوقع الأسماء هنا موقع المسميات والمعنى سميتم ما لا يستحق الألوهية آلهة ثم عبدتموها {مِن سلطان} أي حجة وبرهان {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} يعني الملك {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا} الظن هنا يحتمل أن يكون بمعنى اليقين، لأن قوله: قضي الأمر يقتضي ذلك، أو يكون على بابه، لأنه عبارة الرؤيا ظن {اذكرني عِندَ رَبِّكَ} يعني الملك {فأنساه الشيطان ذِكْرَ رَبِّهِ} قيل: الضمير ليوسف، أي نسي في ذلك الوقت أن يذكر الله، ورجا غيره فعاقبه الله على ذلك بأن لبث في السجن، وقيل: الضمير للذي نجا منهما، وهو الساقي. أي نسي ذكر يوسف عند ربه، فأضاف الذكر إلى ربه إذ هو عنده، والرب على هذا التأويل الملك {بِضْعَ سِنِينَ} البضع من الثلاثة إلى العشرة، وقيل: إلى التسعة، وروي أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين أولاً، ثم سجن بعد قوله ذلك سبع سنين.


{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)}
{وَقَالَ الملك} هو ملك مصر الذي كان العزيز خادماً له واسمه ريّان بن الوليد، وقيل: مصعب بن الريان، وكان من الفراعنة، وقيل: إنه فرعون موسى عمَّر أربعمائة سنة حتى أدركه موسى وهذا بعيد {إني أرى} في المنام {سَبْعَ بقرات سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} أي ضِعاف في غاية الهزال {ياأيها الملأ} خطاب لجلسائه وأهل دولته {لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ} أي: تعرفون تأويلها، يقال: عبرت الرؤيا بتخفيف الباء وأنكر بعضهم التشديد، وهو مسموع من العرب، وأدخلت اللام على المفعول به لما تقدم عن الفعل {قالوا أضغاث أحلام} أي تخاليطها وأباطيلها، وما يكون منها من حديث نفس ووسوسة شيطان بحيث لا يعبر، وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، واحدة ضغث، فإن قيل: لم قال أضغاث أحلام بالجمع، وإنما كانت الرؤيا واحدة؟ فالجواب أن هذا كقولك فلان يركب الخيل وإن ركب فرساً واحداً {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بعالمين} إما أن يريدوا تأويل الأحلام الباطلة، أو تأويل الأحلام على الإطلاق وهو الأظهر.


{قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)}
{وَقَالَ الذي نَجَا مِنْهُمَا} هو ساقي الملك {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد حين {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} يقدر قبله محذوف لا بد منه وهو فأرسلوه فقال: يا يوسف، وسماه صديقاً لأنه كان قد جرب صدقه في تعبير الرؤيا وغيرها، والصديق مبالغة من الصدق {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بقرات} أي فيمن رأى سبع بقرات وكان الملك قد رأى سبع بقرات سمان أكلتهن سبع عجاف فعجب كيف علتهن وكيف وسعت في بطونهنّ، ورأى سبع سنبلات خضر، وقد التفت بها سبع يابسات حتى غطت خضرته {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ} هذا تعبير للرؤيا، وذلك أنه عبر البقرات السمان بسبع سنين مخصبة وعبر البقرات العجاف بسبع سنين مجدبة فكذلك السنبلات الخضر واليابسة {دَأَباً} بسكون الهمزة وفتحها مصدر دأب على العمل إذا داوم عليه، وهو مصدر في موضع الحال {فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ} هذا بأيٌ أرشدهم يوسف إليه، وذلك أن أرض مصر لا يبقى فيها الطعام عامين، فعلمهم حيلة يبقى بها من السنين المخصبة إلى السنين المجدبة، وهي أن يتركوه في سنبله غير مدروس، فإن الحبة إذا بقيت في غشائها انحفظت {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} أي لا تدرسوا منه إلا ما يحتاج إلى الأكل خاصة {سَبْعٌ شِدَادٌ} يعني سبع سنين ذات شدّة وجوع {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} أي تأكلون فيهنّ ما اخترتم من الطعام في سنبله، وأسند الأكل إلى السنين مجازاً {مِّمَّا تُحْصِنُونَ} أي تخزنون وتخبئون {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ} هذا زيادة على ما تقتضيه الرؤيا، وهو الإخبار بالعام الثامن {يُغَاثُ الناس} يحتمل أن يكون من الغيث يمطرون، أو من الغوث: أي يفرج الله عنهم {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي يعصرون الزيتون والعنب والسمسم وغير ذلك مما يعصر {وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ} قيل: هنا محذوف، وهو فرجع الرسول إلى الملك فقص عليه مقالة يوسف، فرأى علمه وعقله، فقال: ائتوني به {قَالَ ارجع إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ} لما أمر الملك بإخراج يوسف من السجن، وإتيانه إليه أراد يوسف أن يبرئ نفسه مما نسب إليه، من مراودة امرأة العزيز عن نفسها، وأن يعلم الملك وغيره أنه سجن ظلماً، فذكر طرفاً من قصته لينظر الملك فيها فيتبين له الأمر، وكان هذا الفعل من يوسف صبراً وحلماً، إذا لم يُجِبْ إلى الخروج من السجن ساعةَ دُعِيَ إلى ذلك بعد طول المدّة، ومع ذلك فإنه لم يذكر امرأة العزيز رعياً لذمام زوجها وستراً لها، بل ذكر النسوة التي قطعن أيديهنّ {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ} الآية جمع الملك النسوة وامرأة العزيز معهن، فسألهنّ عن قصة يوسف، وأسند المراودة إلى جميعهن، لأنه لم يكن عنده علم بأنّ امرأة العزيز هي التي راودته وحدها {قُلْنَ حاش للَّهِ} تبرئة ليوسف أو تبرئة لأنفسهن من مراودته وتكون تبرئة ليوسف بقولهن: ما علمنا عليه من سوء {الآن حَصْحَصَ الحق} اي تبين وظهر، ثم اعترفت على نفسها بالحق.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9